فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



(6) لب الأرض السائل الجزء الخارجي من لب الأرض:
وهو نطاق سائل يحيط بلب الأرض الصلب، وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا، ويقدر سمكه بحوالي 2275 كيلو مترا من عمق 2885 كيلو مترا إلي عمق 5160 كيلو مترا تحت سطح الأرض، وتفصله عن النطاقين الأعلي والأسفل منطقتان انتقاليتان شبه منصهرتين، أضخمهما المنطقة السفلي والتي يقدر سمكها بحوالي 450 كيلو مترا.
(7) لب الأرض الصلب اللب الداخلي للأرض: وهو عبارة عن كرة ضخمة من الحديد 90% والنيكل 9% مع القليل من العناصر الخفيفة من مثل السيليكون، الكربون، الكبريت، الفوسفور والتي لاتكاد نسبتها أن تتعدي 1%.
وهذا هو نفس تركيب النيازك الحديدية تقريبا، والتي تصل الأرض بملايين الأطنان سنويا، ويعتقد بأنها ناتجة عن انفجار بعض الأجرام السماوية.
وهذه البنية الداخلية للأرض تدعمها دراسة النيازك التي تهبط علي الأرض، كما تؤيدها قياسات الجاذبية الأرضية والاهتزازات الناتجة عن الزلازل.
ولولاهذه البنية الداخلية للأرض، ماتكون لها مجالها المغناطيسي، ولا قوتها الجاذبية، ولولا جاذبية الأرض لهرب منها غلافها الغازي والمائي، ولاستحالت الحياة، ولولا المجال المغناطيسي للأرض لدمرتها الأشعة الكونية المتسارعة من الشمس ومن بقية نجوم السماء.
والأرض تجري حول الشمس في فلك بيضاني قليل الاستطالة، بسرعة تقدر بحوالي 30 كيلو مترا في الثانية، لتتم دورتها في سنة شمسية مقدارها 365.25 يوم تقريبا وتدور حول محورها بسرعة تقدر اليوم بحوالي 30 كيلو مترا في الدقيقة عند خط الاستواء فتتم دورتها هذه في يوم مقداره 24 ساعة تقريبا، يتقاسمه ليل ونهار، بتفاوت يزيد وينقص حسب الفصول السنوية، والتي تنتج بسبب ميل محور دوران الأرض علي دائرة البروج بزاوية مقدارها 66،5 درجة تقريبا.
كذلك فإن حركات الأرض العديدة ومنها حركتها المحورية، والمدارية، وترنحها في دورانها حول محورها، وتذبذبها نودانها أو ميسانها، وقربها وبعدها من الشمس في حركتها المدارية، والتغير التدريجي في توازن حركاتها مع حركات القمر حولها، ومع باقي كواكب المجموعة الشمسية ومع الشمس حول مركز المجرة، وباتجاه كوكبة الجاتي، ومع المجرة، حول مركز التجمع المجري، وكلها حركات تحتاج إلي ضبط وإحكام حتي تصبح الأرض مستقرة بذاتها، وقرارا للحياة علي سطحها.
وتكفي في ذلك الإشارة إلي دور الجبال في تثبيت الأرض والتقليل من ترنحها في دورتها حول محورها تماما كما تقوم قطع الرصاص التي توضع حول إطارات السيارات في التقليل من معدلات ترنحها أثناء جري السيارة.
ثانيا: جعل الأرض قرارا بمعني قرارا لسكانها.
ومن معاني جعل الأرض قرارا لسكانها هو جعل الظروف العامة للأرض مناسبة للحياة علي سطحها، ومن أولها مقدار جاذبية الأرض الذي يمسك بكل من غلافها المائي والغازي وبالأحياء علي سطحها، والماء هو سر الحياة علي الأرض، ولذا جعل ربنا تبارك وتعالى كوكب الأرض أغني الكواكب التي نعرفها في المياه حتي ليسميه العلماء بالكوكب الأزرق أو الكوكب المائي، وتقدر كمية المياه علي سطح الأرض بحوالي 1360 مليون كيلو متر مكعب، ويغطي الماء حوالي 71% من مساحة الأرض بينما لاتتعدي مساحة اليابسة اليوم 29% من مساحة الأرض.
كذلك فإن غاز الأوكسجين يشكل سرا من أسرار الحياة الراقية علي الأرض فجعل الله تعالى لها غلافا غازيا تقدر كتلته بحوالي خمسة آلاف مليون مليون طن، ويقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات فوق مستوي سطح البحر حيث يصل ضغطه إلي حوالي الكيلو جرام علي السنتيمتر المربع، ويتناقص مع الارتفاع إلي واحد من مليون من ذلك الضغط في أجزائه العليا.
ويضم الجزء السفلي من هذا الغلاف الغازي من 6 إلي 20 كيلومترا فوق مستوي سطح البحر حوالي 66% من كتلته، ويتكون من غازات النيتروجين بنسبة 78،1% بالحجم والأوكسجين بنسبة 21% بالحجم والأرجون بنسبة 0،93% بالحجم، وثاني أكسيد الكربون بنسبة 0،03% بالحجم بالإضافة إلي نسب ضئيلة من بخار الماء وغازات أخري. ولولا هذا التركيب للغلاف الغازي ما استقامت الحياة علي الأرض.
كذلك فإن كتلة وأبعاد الأرض، ومسافتها من الشمس قدرت كلها بدقة بالغة، فلو كانت الأرض أصغر قليلا لاندفعت بعيدا عن الشمس ولفقدت الكثير من طاقتها، ولما كان بمقدورها الاحتفاظ بغلافها المائي والغازي، وبالتالي لاستحالت الحياة، ولو كانت أكبر قليلا لاندفعت الي مسافة أقرب من الشمس ولأحرقتها حرارتها، ولزادت قدرتها علي جذب الأشياء زيادة ملحوظة مما يعوق الحركة، ويحول دون النمو الكامل للأحياء، ويخل بالميزان الحراري علي سطحها.
وكذلك يعتمد طول السنة الأرضية علي بعد الأرض من الشمس، ويعتمد طول يوم الأرض علي سرعة دورانها حول محورها، وكل ذلك مرتبط بأبعاد الأرض، وكذلك يعتمد تبادل الفصول المناخية علي ميل محور دوران الأرض علي دائرة البروج فلو لم يكن مائلا ماتبادلت الفصول، ولاختل نظام الحياة علي الأرض.
ولولا تصدع الغلاف الصخري للأرض، وتحرك ألواحه متباعدة عن بعضها البعض ومصطدمة ببعضها البعض لما تكونت الجبال، ولا ثارت البراكين، ولاحدثت الهزات الأرضية، وكلها من صور ديناميكية الأرض، ووسائل تجديد وتثبيت غلافها الصخري، وإثرائها بالمعادن، وتكوين التربة وتحرك دورة الماء حول الأرض ودورة الصخور، وبناء القارات وهدمها، وتكون المحيطات واتساعها ثم اغلاقها وزوالها، وهذه الحركات الأرضية وغيرها كثير لعبت ولاتزال تلعب أدوارا أساسية في جعل الأرض كوكبا مهيئا لاستقبال الحياة الأرضية وصالحا للعمران.
هذه بعض آيات الله في جعل الأرض كوكبا مستقرا في ذاته علي الرغم من حركاته العديدة، وجريه في فسحة الكون، وفي تهيئته ليكون مستقرا للحياة التي أراد الله أن تزدهر علي سطحه، علي الرغم من المخاطر العديدة المحيطة به، حتي يؤمن الناس بقدر الرعاية الإلهية التي يحيطنا الله بها في هذا الكون، ويستشعرون حاجتهم إلي هذا الخالق العظيم وإلي رحمته وعنايته في كل وقت وفي كل حين لأننا لوتركنا لأنفسنا طرفة عين أو أقل من ذلك لهلكنا.
وسبحان الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق: {الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين} (غافر:64).
وعاتب الكافرين والمشركين والمتشككين بقوله الحق: {أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أءله مع الله بل أكثرهم لايعلمون} [النمل:61]. اهـ.

.تفسير الآيات (67- 68):

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قامت الأدلة وسطعت الحجج على أنه سبحانه رب العالمين الذين من جملتهم المخاطبون، ولا حكم للطبيعة ولا غيرها، أتبع ذلك آية أخرى في أنفسهم هي أظهر مما مضى، فوصل به على طريق العلة لمشاركتهم له- صلى الله عليه وسلم- في الأمر والنهي في التي قبلها قوله تعالى: {هو} لا غيره {الذي} ولما كان الوصف بالتربية ماضيًا، عبر عنه به فقال: {خلقكم من تراب} أي أصلكم وأكلكم التي تربى به أجسادكم {ثم من نطفة} من مني يمنى {ثم من علقة} مباعدًا حالها لحال النطفة كما كان النطفة مباعدًا لحال التراب، {ثم} بعد أن جرت شؤون أخرى {يخرجكم} أي يجدد إخراجكم شيئًا بعد شيء {طفلًا} لا تملكون شيئًا ولا تعلمون شيئًا، ثم يدرجكم في مدارج التربية صاعدين بالقوة في أوج الكمال طورًا بعد طور وحالًا بعد حال {لتبلغوا أشدكم ثم} يهبطكم بالضعف والوهن في مهاوي السفول {لتكونوا شيوخًا} ضعفاء غرباء، قد مات أقرانكم، ووهت أركانكم، فصرتم تخشون كل أحد.
ولما كان هذا مفهمًا لأنه حال الكل، بين أنه ما أريد به إلا البعض لأن المخاطب الجنس، وهو يتناول البعض كما يتناول الكل فقال: {ومنكم من يتوفى} بقبض روحه وجميع معانيه.
ولما كان الموت ليس مستغرقًا للزمن الذي بين السنين وإنما هو في لحظة يسيرة مما بينهما، أدخل الجار على الظرف فقال: {من قبل} أي قبل حال الشيخوخة أو قبل حال الأشدية.
ولما كان المعنى: لتتفاوت أعماركم وأحوالكم وأعمالكم، عطف عليه قوله: {ولتبلغوا} أي كل واحد منكم {أجلًا مسمى} أي له سماه الملك الذي وكل به في بطن أمه عن إذننا وبأمرنا الذي قدرناه في الأزل، فلا يتعداه مرة، ولا بمقدار ذرة فيتجدد للملائكة إيمان في كل زمان.
ولما كانت هذه الأمور مقطوعًا بها عند من يعلمها، وغير مترجاة عند من يجهلها، فإنه لا وصول للآدمي بحيلة ولا فكر إلى شيء منها، فعبر فيها اللام، وكان التوصل بالتفكر فيها والتدبر إلى معرفة أن الإله واحد في موضع الرجاء للعاقل قال: {ولعلكم تعقلون} أي فتعلموا بالمفاوتة بين الناس فيها ببراهين المشاهدة بالتقليب في أطوار الخلقة وأدوار الأسنان، وإرجاع أواخر الأحكام على أوائلها أن فاعل ذلك قادر مختار حكيم قهار، لا يشبه شيئًا ولا يشبهه شيء.
ولما نظم سبحانه هذا الدليل في صنع الآدمي من التراب، وختمه بأن دلالته على البعث- بإجراء سنته في إرجاع أواخر الأمور على أوائلها وغير ذلك- لا يحتاج إلى غير العقل، أنتج عنه قوله: {هو} لا غيره {الذي يحيي ويميت} كما تشاهدونه في أنفسكم وكما مضى لكم الإشارة إليه بخلق السماوات والأرض، فإن من خلقهما خلق ما بينهما من الآجال المضروبة باختلاف الليل والنهار والشهور والأعوام لبلوغ الأفلاك مواضعها، ثم رجوعها عودًا على بدء مثل تطوير الإنسان بعد الترابية من النطفة إلى العلقة إلى ما فوقها، ثم رجوعه في مدارك هبوطه إلى أن تصير ترابًا كما كان، فليست النهاية بأبعد من البداية.
ولما كانت إرادته لا تكون إلا تامة نافذة، سبب عن ذلك قوله معبرًا بالقضاء: {فإذا قضى أمرًا} أي أراد أيّ أمر كان من القيامة أو غيرها {فإنما يقول له كن} ولما كانت {إذا} شرطية أجابها في قراءة ابن عامر بقوله: {فيكون} وعطفها في قراءة غيره على {كن} بالنظر إلى معناه، أو يكون خبرًا لمبتدأ أي فهو يكون، وعبر بالمضارع تصويرًا للحال وإعلامًا بالتجدد عند كل قضاء، وقد مضى في سورة البقرة إشباع الكلام في توجيه قراءة ابن عامر بما تبين به أنها أشد من قراءة غيره. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم قال: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ}.
واعلم أنا قد ذكرنا أن الدلائل على قسمين دلائل الآفاق والأنفس، أما دلائل الآفاق فكثيرة والمذكور منها في هذه الآية أربعة: الليل والنهار والأرض والسماء، وأما دلائل الأنفس فقد ذكرنا أنها على قسمين أحدها: الأحوال الحاضرة حال كمال الصحة وهي أقسام كثيرة، والمذكور هاهنا منها ثلاثة أنواع: الصورة وحسن الصورة ورزق الطيبات.
وأما القسم الثاني: وهو كيفية تكون هذا البدن من ابتداء كونه نطفة وجنينًا إلى آخر الشيخوخة والموت فهو المذكور في هذه الآية فقال: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} فقيل المراد آدم، وعندي لا حاجة إليه لأن كل إنسان فهو مخلوق من المني ومن دم الطمث، والمني مخلوق من الدم فالإنسان مخلوق من الدم والدم إنما يتولد من الأغذية والأغذية إما حيوانية وإما نباتية، والحال في تكون ذلك الحيوان كالحال في تكون الإنسان، فالأغذية بأسرها منتهية إلى النباتية والنبات إنما يكون من التراب والماء، فثبت أن كل إنسان فهو متكون من التراب، ثم إن ذلك التراب يصير نطفة ثم علقة بعد كونه علقة مراتب كثيرة إلى أن ينفصل من بطن الأم، فالله تعالى ترك ذكرها هاهنا لأجل أنه تعالى ذكرها في سائر الآيات.
واعلم أنه تعالى رتب عمر الإنسان على ثلاث مراتب أولها: كونه طفلًا، وثانيها: أن يبلغ أشده، وثالثها: الشيخوخة وهذا ترتيب صحيح مطابق للعقل، وذلك لأن الإنسان في أول عمره يكون في التزايد والنشوء والنماء وهو المسمى بالطفولية والمرتبة الثانية: أن يبلغ إلى كمال النشوء وإلى أشد السن من غير أن يكون قد حصل فيه نوع من أنواع الضعف، وهذه المرتبة هي المراد من قوله: {لتبلغوا أشدكم} والمرتبة الثالثة: أن يتراجع ويظهر فيه أثر من آثار الضعف والنقص، وهذه المرتبة هي المراد من قوله: {ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخًا} وإذا عرفت هذا التقسيم عرفت أن مراتب العمر بحسب هذا التقسيم لا تزيد على هذه الثلاثة، قال صاحب الكشاف قوله: {لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ} متعلق بفعل محذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا.
ثم قال: {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ} أي من قبل الشيخوخة أو من قبل هذه الأحوال إذا خرج سقطًا.
ثم قال: {وَلِتَبْلُغُواْ أَجَلًا مُّسَمًّى} ومعناه يفعل ذلك لتبلغوا أجلًا مسمى وهو وقت الموت وقيل يوم القيامة.
ثم قال: {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ما في هذه الأحوال العجيبة من أنواع العبر وأقسام الدلائل.
{هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68)} اعلم أنه تعالى لما ذكر انتقال الإنسان من كونه ترابًا إلى كونه نطفة ثم إلى كونه علقة ثم إلى كونه طفلًا ثم إلى بلوغ الأشد ثم إلى الشيخوخة واستدل بهذه التغيرات على وجود الإله القادر قال بعده: {هو الذي يحيي ويميت} يعني كما أن الاتنقال من صفة إلى صفة أخرى من الصفات التي تقدم ذكرها يدل على الإله القادر، فكذلك الانتقال من الحياة إلى الموت وبالعكس يدل على الإله القادر وقوله: {فَإِذَا قضى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فيه وجوه الأول: معناه أنه لما نقل هذه الأجسام من بعض هذه الصفات إلى صفة أخرى لم يتعب في ذلك التصرف ولم يحتج إلى آلة وأداة، فعبّر عن نفاذ قدرته في الكائنات والمحدثات من غير معارض ولا مدافع بما إذا قال: {كن فيكون} الوجه الثاني: أنه عبّر عن الإحياء والإماتة بقول {كُنْ فَيَكُونُ} فكأنه قيل الانتقال من كونه ترابًا إلى كونه نطفة، ثم إلى كونه علقة انتقالات تحصل على التدرج قليلًا قليلًا، وأما صيرورة الحياة فهي إنما تحصل لتعليق جوهر الروح النطقية به، وذلك يحدث دفعة واحدة، فلهذا السبب وقع التعبير عنه بقوله: {كُنْ فَيَكُونُ} الوجه الثالث: أن من الناس من يقول إن تكون الإنسان إنما ينعقد من المني والدم في الرحم في مدة معينة وبحسب انتقالاته من حالات إلى حالات، فكأنه قيل إنه يمتنع أن يكون كل إنسان عن إنسان آخر، لأن التسلسل محال، ووقوع الحادث في الأزل محال، فلابد من الاعتراف بإنسان هو أول الناس، فحينئذٍ يكون حدوث ذلك الإنسان لا بواسطة المني والدم، بل بإيجاد الله تعالى ابتداء، فعبّر الله تعالى عن هذا المعنى بقوله: {كُنْ فَيَكُونُ}. اهـ.